القارة المسلمة المهمشة

أفريقيا هي إحدى القاراتِ الخمس الكبرى،ويبلغ عددُ دويلاتِها بعد التقسيم الإستعماريِّ الأوروبيِّ المقيت حوالي 60 دويلةً،وهي القارةُ الوحيدةُ بين القارَّاتِ الأربعِ الباقيةِ التي يُمكنُ أن يُطلَقَ عليها لقبُ [القارةِ المسلمة]فالمسلمُون يمثلون أكثر من 50% من مجمُوعِ سُكانِها وتُمثلُ البقيةُ:الوثنيةَ،والمسيحيةَ،واليهوديةَ..إلا أنَّ الإستعمارَ عزلَ هذه القارةَ عن العالمِ الإسلاميِّ تمامًا،وسعَى سُعاتُه لهدِّ جُسُورِ التواصُلِ الثقافيةِ،والاقتصاديةِ التي ظلت تربطُها بالعالمِ الإسلاميِّ منذ بزُوغِ فجرِ الإسلامِ حتى نُزولِ صاعقةِ الإستعمارِ عليها؛فعاشت أفريقيا الحزينةُ فى عُزلتِها{حينًا من الدّهر}يُعاني أبناؤها من حصارٍ الثالوث البغيض:[التنصيرالصهيونيةالماركسية]ويواجهُون مصيرَهُم وحدهُم بعيدًا عن إخوانِهم المسلمين،ممَّا جعلهُم ضحيةً من ضحايا حربِ الهويةتلك الحربُ الشرسَةُ التي تُقاتِلُ فيها كُلُّ مجموعةٍ من المسلمين اليوم أعداءَ الإسلام فى جبهةٍ مستقلةٍفى شتى بقاعِ الأرض.

( التنصيرُ والإستعمارُ أخوانِ توأمان )

لا يُنكرُ أيُّ عارفٍ أنَّ الإستعمارَ هو أوّلُ من ألقَى بذُورَ المحنةِ فى بلادِنا الأفريقية وكانت بخيرٍ قبله؛ولكن ما لا يعترفُ به غيرُهُم هو:أنَّ أهدافَ الإستعمارِ الأوروبيِّ،ليست سياسيةً واقتصاديةً فحسب وأنها دينيةٌ صليبيةٌ قبل كُلِّ شيءٍ،والدليلُ على ذلك من وجهةِ نظرِ العارفين أن حملاتِ التبشيرِ المسيحيِّ هي التي مهّدت للإستعمار العسكري،وكانت مُموَّلةً من دولٍ أوروبيةٍ كُبرى لها أطماعٌ لا تخفَى وقد تجلَّى ما يُحاكُ من خلفِ الكواليسِ بوضُوحٍ بعد سيطرةِ تلك الدولِ على بلادِ المسلمين فقد وفَّرت الرعايةَ الكاملةَ للحملاتِ التبشيريةِ وأنشأت عددًا هائلاً منها لتنصيرِ المسلمين؛فبدأت تبيضُ وتفرِّخُ فيها بلا حسيبٍ ولا رقيب..ففي أفريقيا مثلاً لا يستطيعُ أيُّ مَواطِنٍ أن يحصلَ اليومَ على أيِّ دعمٍ أو قرضٍ أو دواءٍ إلاّ عن طريقِ تلك الأفاعي!.

( صحراء أزواد قبل الإستعمار الفرنسي )
تقعُ صحراءُ[ أزواد]شمال النَّهر المعرُوفِ اليوم جُغرافيًّا بنهر النِّيجير وتمتدُّ هذه الصّحراءُ على طُولِ شمالِ مالي كلِّه وشمالِها الشرقيِّ والغربيِّ تقريبًا،وتُغطِّي مسافةً شاسِعةً تُقدَّرُ بخمسةٍ وعشرِين ألف كم2 فى الشَّمالِ وحده،وتُوجَدُ فى منطقةِ [أزواد] مدُنٌ تاريخيّةٌ مُّهمَّةٌ منها:تنبكتُو،وقاوا،وجَنِّي،وكيدال،وقُوندَامْ،والسُّوق،وأروان،وتادا مكت، وتاوْدنِّي، وولاتة،والحوض،وغيرها.. وهي ذاتُ قيمةٍ تاريخيَّةٍ وحضاريّةٍ وثقافيةٍ؛لما لها من مّكانةٍ،وسُمعةٍ حسنةٍ فى الثقافةِ الشَّعبيةِ الصحراويةِ قديمًا وحديثًا،ولما تميَّزت به جُغرافيُّتُها من مِّيزاتٍ اقتصاديّةٍ تتمثلُ فى إنتاجِها من الثروةِ الحيوانيةِ والزِّراعيةِ،وفى شواطِئها الجميلةِ الممتدّةِ على طُول النَّهرِ من الشرقِ إلى الغرب،وفى مراسِيها الساحليَّةِ التي ترسُو عليها القواربُ والسُّفنُ الشراعيّةُ"القادِمةُ من جنُوبِ البلادِ وغربها"بل وشِرقِها"مُحمَّلةً بكلِّ أنواعِ البضَائع"وفى أسواقِها التجاريَّةِ التي تجمعُ شعُوبَ المنطقةِ دوريًّا لتبادُلِ السِّلعِ والبضَائعِ التي كانَ الملحُ أهمَّها ذاتَ يومٍ؛حين كان يُباعُ بوزنه ذهبًا!؛وللمنطقةِ ميزاتٌ أخرى جيولوجيّةٌ تتمثلُ فى تضاريسِها الغنيةِ بالمعادنِ الطبيعيَّةِ التي ضاقَ بها باطنُ الأرضِ،ومِيزاتٌ سِياسيّةٌ إستراتيجيّةٌ تتمثلُ فى موقِعها،ومعابرِها الإقليميةِ المشترَكَةِ التي تربطُ تلك الشعُوبِ بجيرانِهم من أبناءِ الدُّولِ الأفريقيّةِ الشقيقة.ويقطنُ هذه المنطقةَ منذُ حِقبٍ من الزَّمَن مزيجٌ من الأجناسِ"منهُم على سبيلِ المثال: القبائلُ العربيّةُ،والطّارقيَّةُ،والزِّنجيَّةُ،وأتباعُهُم وحُلفاؤهُم على اختِلافِ أصُولهم وانتماءاتِهم. وقد امتزجت هذه الأجناسُ وتناسَلت ببعضِها؛فتكوَّنَ منها خليطٌ مُّتجَانِسٌ من الشّعُوبِ والأعرَاقِ"وهُم الذين يمثلون سُكّانَ[أزواد] اليوم"وينتشرُون بين مدُنِها وأريافِها وبوادِيها وقُراها". وقد حكمت[أزواد]قبلَ الإستعمارِ الفرنسيِّ بزمنٍ سلطناتٌ لها سَلاطينُها وقبائلُ لها أمراؤُها وقادتُهاوكان بينهُم تحالُفٌ عسكريٌّ،وتعاونٌ اقتصاديٌّ وكانُوا يتقاسَمُون المواردَ والمراعِي ويتبادلُون المصالحَ ويُواجهُونَ مَصيرَهُم مّعًا بشجاعةٍ.وقد سجَّلَ لهم تاريخُهُم من المواقفِ المشرِّفةِ ما يرفعُ به أبناؤُهُم رُؤوسَهُم عاليةً رغمَ تَبدُّلِ الأحوالِ والسّياساتِ..وهذه السَّلطناتُ كانَ يسُودُها النِّظامُ الإسلاميُّ الممزُوجُ بالأعرافِ القبليّةِكالممالكِ الإسلاميةِ التي قبلها تمامًا!!.

وفى مقدمتهِ لتعريب كتاب[البرابيش بنو حسّان]الذي ألفه الباحثُ الفرنسيُّ:[بُول مارتي]:والذي طُبع بدمشق عام 1405هـ - 1985م ذكرَ الأستاذُ/ محمد محمُود ولد ودادِي من هذه السَّلطناتِ:سلطنةُ الفُولاَّن،وسَلطنةُ مملكةِ صُـنغَـيْ،وسلطنةُ البرابيش،وسَلطنةُ كنتة،وسلطنةُ إيولَّمدن،وسلطنةُ الأنصار أو كلنتصر،وسلطنةُ إيفُوغَاسْ.. وذكر أنَّ جميعَ هذه السَّلطناتِ كانت تضمُّ عشراتِ القبائلِ المنضويةِ تحتَ لواءِ القبيلةِ الحامِلةِ لاسم السَّلطنة،وأنَّ الأسماءَ المذكُورةَ أعلاهُ قد تعني فى بعض الأحيانِ ائتلافَ قبائلَ.وأنّهُ عند مَجيءِ حركَةِ الاستقلالِ الفرنسيةِ طلبت فرنسا من السَّلاطينِ أن يوافقُوا على جعلِ منطقةِ[أزواد]محميّةً إلى أن يتم تأطيرُ أهلها.إلا أنّ أهلَ[أزواد]رفضُوا العرضَ الفرنسيَّ لاعتقادِهم أنه يستهدفُ مُحاصرةَ الثورةِ الجزائريَّةِ الفتيّةِ آنذاك،ولاعتقادِهِم أنّه يستهدِفُ إيجادَ قواعدَ عسكريةٍ فرنسيةٍ فى المنطقةِ ،ولاعتقادِهم أيضًا بأنَّ التعايُش مع إخوانهِم فى الجنُوب أمرٌ مُّمكن!!.

ورغم أنَّ قُواتِ الإستعمارِ اصطدمت بإرادَةٍ وطنيّةٍ قاومت الإحتِلالَ حتى رَحَلَ عسكريًّا على الأقل إلا أنَّ عناكبَها لم تعجز عن نسجِ خُيُوطِها فى عُقُولِ الأجيالِ اللاحقةِ!.وذلك حِينَ اختلطت الرِّواياتُ البوليسيّةُ،بالقِصَصِ الخياليّةِ، واختلطت البطُولاتُ الشعبيةُ،بالأساطِيرِ القديمَةِ،واختلطت الأبحاث العلميَّةُ،بالنظريَّاتِ الافتراضيّةِ،واختلطت مُذكِّراتُ المستعمِرِين،بأباطِيلِ المستشرِقِين،واختلطَ ما ينسِجُه المتأغربُون؛بما يُرقِّعُه تُجَّارُ الثقافةِ لسُوقِ الغرب!؛فضاعت الحقيقةُ بين ذلك!.

فلنتذكّر جيّدًا أنّنا إخوةٌ فى الدِّين وجيرانٌ وحلفاءُ وشُركاءُ فى الأوطانِ ولسنا أعداءً كما يتوهَّمُ بعضُنا؛وإن كنَّا مختلفين حول بعضِ المسائلِ الفرعية؛فهذا يُسمَّى اختلافًا أخويًّا أو رُبّما أنّه خصُومةٌ نُحكِّمُ فيها القضاءَ ثمّ تزُول،ولا ينبغي لها أن تتحوّلَ إلى عداوةٍ أو حرُوبٍ تُخاضُ على حساب ديننا ومصالحنا ومستقبل بلادِنا..
ولو سمحتُم لأنفسِكم باستعراضِ بعضِ صفحاتِ تاريخكُم لعلمتُم أنَّ أعداءَكُم الحقيقيّين هُم أولئك الذين غزوا بلادَكُم واستعمرُوكُم فيها وحاولُوا محوَ هويّتِكُم الإسلاميةوأولئكَ الذين خاضُوا معَهُم الحربَ ضدَّكُم!.

هناك 4 تعليقات:

amea1386 يقول...

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بداية رائعة بكل ماتعنية الكلمة إنطلق بنورالله إنطلق لنشرالسلم والإسلام .

خادم الدين والوطن والشعب الأزوادي يقول...

شكرالك أخي الكريم شعرنا بوجودكم معنا ولدينا إحساس بأنكم ستعودون قريبا بإذن الله فأهلاً وسهلاً ومرحبًا بكم دئما فى ملتقى القوافل.

غير معرف يقول...

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أشكر
اخواني القائمين على هذه المدونة الرائعة المفيدة التي أتمنى لها الاستمرارحتى تكون منارة للمعرفة
لي طلب واحد وهوالزيادة في طرح مواضع تتعلق بالثقافة لمجتمعنا
وشكرا لكم

خادم الدين والوطن والشعب الأزوادي يقول...

شكرا لك أخي الكريم محمد الشريف تشرفنا بزيارتك..
أما طلبك فمجاب بإذن الله تعالى فهو أحد أهدافنا الأساسية.