وميضٌ من سيرة الأمير محمد على بن الطاهر الأنصاري التنبكتي

مع مجلة فرنسية ( الوسط ) عددها 93تاريخ 8 تشرين الثاني 1993م ص34، مقابلة أجرتها أمير العرب والطوارق، الأمير محمد علي بن الطاهر الأنصاري، اللاجئ في الرباط منذ 1976م، والبالغ من العمر 95عاماً.
ومما جاء في تلك المقابلة:كان أجداد الأنصاري يأخذون بيعة الطوارق إلى ملوك المغرب حيث خضعت تمبكتو لسلطانهم منذ أواخر القرن السادس عشر بانتصار جيوش أحمد المنصور على إمبراطورية سونراي، من غاو في الصحراء الوسطى حتى نواط. لكن المغرب، كما يقول الأنصاري (( لم يستطع إنقاذ البلاد من الاستعمار الفرنسي لمشاكله الداخلية، فبقينا نقاتل ونقاوم حتى هزمنا عام 1920م، وبعد عامين تقلدت الإمارة التي لم يكن نفوذها يتعدى حدود مالي، وقد واصلت الثورة ضد الفرنسيين حتى تم لهم ترحيلي إلى الخارج عام1948م بعدما اعتبرت فرنسا موقف الطوارق عدوانياً لأنهم لم يقاتلوا إلى جانبها في الحرب العالمية الثانية)). وفي العام1931، توجه الأنصاري إلى باريس للقاء الرئيس الفرنسي والبحث معه في مستقبل الطوارق (( قلت للرئيس الفرنسي: استعمرتمونا لتستعبدونا أم ماذا؟ هل علينا أن نكتفي منكم بالعصا ودفع الجزية؟ ودر عليّ: جئناكم لنعلمكم الحياة. وإذا تعلمتم لكم الخيار في ما ترون. لكنهم في الواقع حرمونا من أبسط الحقوق، بما في ذلك التعليم)).ويستطرد: (( كانت فرنسا موافقة على دولة مستقلة للطوارق، غير أن موقفها تغير بعد الحرب الثانية. وكان الحكام الفرنسيون الذين التقيتهم في دكار وباماكو يقولون لي، كلما شرحت مطالبي أمامهم: أيذهب هدراً دمنا الذي دفعناه من أجلكم؟ وكانوا بذلك يبررون تشبثهم ببلادنا. وقد عمدوا إلى تصعيد الموقف بتصنيفهم الطوارق أعداء لفرنسا، لعدم مشاركتهم في الحرب. أنا الذي منع الطوارق من المشاركة في الحرب إلى جانب الفرنسيين.
لم أكن مقتنعاً بجدوى القتال معهم وهم حرّموا التعليم علينا خشية الوعي لقضيتنا ومطالبتنا بالاستقلال, ولأن ديننا الإسلامي يمنعنا من القتال إلا في حالة الجهاد أو الدفاع عن النفس. وكان رفضي الرد على رسالة الرئيس الفرنسي التي وصلتني بواسطة حاكم دكار عن سبب تخلف الطوارق عن نجدة فرنسا في الحرب، ذريعة لإبعادي إلى الخارج)).المنفي: في ذلك التاريخ،1948م، دشّن الأنصاري مرحلة المنفي التي لم تنته حتى الآن ( أواخر1993م). فتوجه إلى المملكة العربية السعودية حيث كانت تربطه علاقة بالملك عبد العزيز وابنه الملك فيصل رحمة الله عليهم. ومن السعودية انتقل إلى مصر عام1954م، وعقد علاقة جيدة مع الرئيس جمال عبد الناصر.
وفي عام1960م، توجه إلى لبيبا أيام الملك إدريس السنوسي، ثم استقر في المغرب بدءاً من عام1963م.السجن: في عام 1963 نشبت الحرب الحدودية بين المغرب والجزائر، وتقدم موديباكيتا الذي أصبح رئيساً لجمهورية مالي بعد استقلالها عن فرنسا عام1960م، للوساطة، وقبل الطرفان وساطته، لكنه اشترط تسليمه الثوار الطوارق، (( فاستدرجت، يقول الأنصاري، إلى الجزائر حيث سلمت هناك إلى السلطات المالية، فأودعت السجن حتى عام 1976م. ولم أحتمل التعذيب، ومن السجن كتبت إلى عبد الناصر أعلمه بالوضع، فسارع إلى الاتصال بموديباكيتا مهدداً إياه بوقف دعمه السياسي والاقتصادي له إذا مسّني بشوكة- هكذا بلغني ما قاله – فاسترحت من التعذيب ولكن لم يفرج عني إلا ثماني سنوات من انقلاب موسى تراوري الذي جاء إلى الحكم في عام1968م)). حزب عربي بربري: قبل أن يغادر الأنصاري بلاده قد أسس عام1947م (( الحزب العربي البربري)) الذي وحد فيه كلمة العرب والطوارق، ويقول (( كان التأسيس بعد الحرب العالمية الثانية التي أتاحت لفرنسا متسعاً من التحرك في القارة الإفريقية والعمل على إجراء ما تريده من تغييرات في الحدود والأنظمة، وهي لم تنس للطوارق عدم القتال إلى جانبها في الحرب. فرسّخ الحزب مبادئ أولية وهي أن الأمة الأزوادية ( التسمية التي يطلقها الطوارق على بلادهم) أمة ينبغي توحيدها، بعدما تعرضت للتقسيم، سلماً ما أمكن وحرباً إذا كانت الحرب الملاذ الأخير. وشهد عام1963م أول موجهة عسكرية بين الطوارق ونظام موديباكيتا في مالي. إلا أن دخولي السجن أضعف الحزب وانحلّ نهائياً مع استمراري فيه، وطوي ملف الطوارق إلى حين)).
لا يخفي الأنصاري دهشته لجهل الكثيرين من العرب والطوارق الذين هم في نظره أقرب إليهم في التاريخ والذين لأنهم كما يؤكد: (( جزء من القبائل البربرية التي تقطن جنوب الجزائر والأطلس المغربي، والطوارق الحاليون انتقلوا إلى شمال مالي قبيل الفتوحات الإسلامية للشمال الإفريقي، وفي عهد الخلافتين الأموية والعباسية كانوا مستقلين، كما لم يخضعوا من قبل للرومان الذين غزوا المنطقة قبل الإسلام. وهناك من يقول بأن أصولهم من اليمن. إلا أنه لا يوجد من يستطع الجزم بالأمر.
والثابت أنهم امتزجوا بقبائل هاجرت من اليمن، ومن العائدين من الأندلس حتى أصبحت اللغة العربية، في وقت من الأوقات اللغة المتداولة ولغة الرسائل السياسية مع ملوك الشمال الإفريقي وملوك الطوائف في الأندلس))الحمر..... الزرق: ويصف الأنصاري الطوارق بأنهم (( شعب نبيه سريع الفهم، وهو ما جعل فرنسا تخشى تعليمهم، وأن فريقاً منهم هاجر إلى الشام والمغرب ومنه إلى الأندلس ليتبوأ مناصب عليا في دولة بني الأحمر، ولذلك يقال لنا (الحمر) أحياناً، مع أن التسمية الشائعة عنا هي (( الرجال الزرق)) نسبة إلى أرديتنا الزرقاء التي تقينا الصحراء)).
أما عن ظروف شتات الطوارق فيقول الأنصاري: (( إن الفرنسيين الذين دخلوا مالي عبر البوابة الغربية دكار، في القرن الماضي، فوجئوا بمقاومة الطوارق الشديدة لهم، الأمر الذي دفع بالسلطات الفرنسية إلى تغيير خططها المرسومة سلفاً وانتهاج سياسة مبنية على ترك الطوارق ينتقلون في الصحراء التي لم تكن حدودها الحالية قد رسمت بعد، وعدم فرض الثقافة الفرنسية عليهم، والأحرى حرمانهم من التعليم ما جعلهم أكثر الشعوب أمية في المنطقة. وعندما استقلت مالي في عام1960م لم يكن هناك ساسة محنكون يستطيعون المطالبة بالحقوق المغتصبة، وهكذا تفرقت صفوف الطوارق وأصبحت مطالبتهم بدولة مستقلة مجازفة باستقرار المنطقة. وبعد ما شكل الطوارق قومية قائمة تتنقل في موطنها، قسّمتهم فرنسا إلى وحدات. ومع أن الطوارق رفضوا التقسيم إلا أن الأنظمة التي حلت مكان المستعمر انتهجت سياسة الأمر الواقع معهم كأقليات مع كل ما تحمله هذه الكلمة من حيف وتجاهل معتمد لحقوقهم)).
مطالب الطوارق: يقول الأنصاري: (( في البداية طالبنا بالمساواة مع المواطن العادي أو مثلما كان الأمر أيام الاحتلال الفرنسي على الأقل، لكن هذا الحق أنكر علينا، وكان الرد على مطالبنا دموياً دائماً حتى مواشينا – وغالبيتنا رعاة – لم تسلم من الإبادة ما دامت تساعدنا على البقاء وهو ما صعّد المطالب وبلور لدينا التوجّه إلى أن خلاصنا هو في دولة طوارقية مترامية الأطراف ما يعني تجاوز الحدود والدخول في صراع وموجهات مع الدول حيث يوجد الطوارق (.......) لقد أصبح الاعتراف بالحدود الموروثة عن الاستعمار من مبادئ منظمة الوحدة الإفريقية، وهي تجد في حدود الدولة الطوارقية التي تشمل ثلثي المساحة الإجمالية لمالي، والنيجر ومساحات في جنوب الجزائر إخلالاً بميثاقها القاضي بعدم المساس بهذه الحدود، كما أن الحكومات المالية المتعاقبة عملت على احتواء عناصر من الطوارق ودمجها في إطارها الرسمي بهدف وقف معارضتها وإيقاع الفرقة بين الطوارق، وهي جزء من المحاولات المستمرة لاستقطابهم باعتبارهم مقاتلين أشداء.
فقد سعى العقيد القذافي من قبل إلى زجهم في الجيش الليبي خلال حربه مع تشاد؛ يضاف إلى ذلك تباين مواقف جبهات أزواد المقاتلة من حكومة مالي. فهناك من يطالب بالحكم الذاتي، وهناك من يطالب بالفيدرالية وهناك من لا يرضى بأقل من الاستقلال)).
لم يعد للأمير محمد علي بن الطاهر الأنصاري دور مباشر في توجيه حركات التحرر الأزوادية. وأصبحت مساهمته تقتصر على تقديم المساعدات إلى الثّوار التي تصل غالباً من الجاليات الطوارقية العاملة في الخارج فيعيد توزيعها على الجبهات المحاربة والتي يعوّل على اثنتين منها هما (( الجبهة العربية الإسلامية لتحرير أزواد)) و (( الجبهة الشعبية لتحرير أزواد)). وهناك أيضاً (( الحركة الشعبية لأزواد)) و (( الجيش الشعبي لتحرير أزواد)).
نقلا عن واحة أزواد

ليست هناك تعليقات: