الحركة الوطنية لتحرير أزواد...ارحموها من قسوة حبكم!.

الإتحاد الوطني الأزوادي
ثورة التّغيير والبناء والتّطوير
الحركة الوطنية لتحرير أزواد...ارحموها من قسوة حبكم!.
*** *** ***
تعاني الحركة الوطنية لتحرير أزواد من تصلب الرأي العام 
الموالي لها، وعدم تفهّمه لما تقتضيه السياسة من تنازلات، فهو 
يتمسك على نحو عاطفيّ بالشّعارات والمبادئ العامة التي تأسست 
عليها الحركة دون النظر إلى المتغيرات الدولية والإقليمية الحالية، 
وما تكرسه هذه المتغيرات من رفض قاطع وجذري لمعظم هذه 
المبادئ، وخاصة تلك المتعلقة بالاستقلال وفصل الشمال عن مالي.
وعلى مدى الأشهر الماضية عانت الحركة من ضغوطات 
جمهورها الذي تشرب مبادئها وخطابها السياسي، وفرض عليها 
التحرك في حدود هذا الخطاب، ولم يعطها أية فرصة أبدا للتعامل 
مع المعطيات السياسية بعيدا عن خطابها المثالي، فبمجرد إعلان 
تحرير أراضي أزواد من الجيش المالي ضغط الجمهور الموالي 
للحركة من أجل إعلان الاستقلال، وبعد إعلان الاستقلال الذي أثار 
حفيظة أطراف إقليمية مثل الجزائر والإيكواس، طالبوا بالإسراع 
في تشكيل حكومة وهي المطالبات التي أدى امتثال الحركة لها إلى 
وقوعها فريسة للحركات الجهادية حين صارت تتعامل بمنطق 
الدولة، وتسير الدوريات، وتشرف على الحدود، وتـنتحل الكثير من 
المهام التي تفوق قدراتها كتنظيم عسكري محدود القدرات في 
مساحة شاسعة مثل أزواد، ما أدى آخر الأمر إلى تشتيت جهودها، 
وترجيح الكفة العسكرية لمصلحة المجموعات الجهادية المتربصة بالحركة.

وهكذا من بداية الصراع وإلى الآن ظلت الحركة أسيرة لمتعاليات 
خطابها السياسي، ولضغوطات جمهورها، فهي لا تقوى على 
معارضة الأنصار (ظاهريا)، حتى في بعض المسائل والقضايا 
المصيرية، وهي في هذا الأمر تختلف عن غريمتها حركة أنصار 
الدين التي تحظى بهامش أكبر من الحرية، ولا يضغط عليها 
أنصارها في الخارج نحو قضايا معينة، ومرد الاختلاف بين 
الحركتين في هذه المسألة يرجع برأيي إلى ملمحين مميزين:
• أولهما أن الحركة الوطنية تعتمد في نشاطها السياسي على 
مجموعة من الثوابت والمرتكزات السياسية المدونة، والتي تمثل 
دستورا يوجه نضالها الانفصالي، وهذه الثوابت معلنة، وجمهور 
الحركة مطلع عليها، وملم بتفاصيلها السياسية والحركية، وبالتالي 
فالالتزام بها واجب على الحركة باعتبارها هي نفسها مصدر 
الإلزام، وباعتبار هذه الثوابت ميثاق شرف بينها وبين أنصارها، 
بخلاف أنصار الدين المتحررة من كل التزام مسبق، حيث لا تعرف 
لها أية مبادئ سياسية موثقة ومعلنة، اللهم ما عدا تطبيق الشريعة، 
وهو مبدأ علاوة على كونه فضفاضا، فإنه لا يكشف عن توجه معين 
للحركة، إضافة إلى أن هذا المبدأ نفسه لا يجد تمثيلا له في النشاط 
السياسي للحركة، والقائم في مجمله على اعتباطات لا يعرف لها 
أصل ولا فرع.

• الملمح الآخر يرجع إلى اختلاف الحركتين في توجههما العام، 
فالحركة الوطنية حركة سياسية وطنية، والتعاطي من قبل الأنصار 
والموالين مع هذا النوع من الحركات يقوم على أساس المحاسبة 
والشفافية، فالحركة السياسية ملزمة بالانسجام مع جمهورها، 
وإطلاعهم على خططها بشكل مستمر، أما أنصار الدين فهي حركة 
دينية سياسية، وغالبا ما يطغى الجانب التفويضي والاعتذاري على 
تعاطي جمهور الحركات الدينية مع ممثليه في هذه الحركات، فهو 
يفوضهم في معظم الأمور الديني منها والسياسي ما داموا حائزين 
على ثقته الشرعية، كما أنه يعتذر عن أخطائهم مهما كانت شنيعة، 
ويرى أنها مجرد اجتهادات إن أخطأها الأجران لم يفتها الأجر 
الواحد والثواب!.

وعلى كل وبحسب متابعتي المتواضعة أعتقد أن الحركة صارت
تتبرم من نهجها الديموقراطي وما أسفر عنه من ضغوط جماهيرية 
أعاقتها عن الانخراط في العملية السياسية بكل ما تتطلبه من 
مساومات وتنازلات، ولعل التصريح الأخير لأحد قيادات الحركة 
بالتخلي عن إعلان الاستقلال، ثم البيانات التي أعقبت هذا 
التصريح نافية له، تمثل جانبا من حالة التجاذب الناشئة بين الحركة 
وجمهورها، ففي الوقت الذي ترى فيه الحركة أن تخليها عن مطلب 
الاستقلال يمثل مخرجا للعزلة الإقليمية والدولية التي تعيشها جراء 
إصرارها على الانفصال، فإن أنصارها لا يزالون مصرين على 
الاستقلال كمبدأ سياسي لا رجعة عنه، موقعين الحركة في حرج 
كبير وبين خيارين أحلاهما مر، التراجع عن سياسة التخلي عن 
الاستقلال بكل ما يعنيه هذا التراجع من عزل للحركة وتحييد لها، 
أو الإصرار على التخلي وبالتالي خذلان أنصارها، وخسارة 
تعاطفهم، ودعمهم الرمزي الذي يمثل قوة ناعمة لا تستطيع الحركة 
الاستغناء عنها!

من هنا وللخروج من هذا المأزق أرى ضرورة منح الحركة هامشا 
أوسع للتحرك، وعدم التضييق عليها بمثاليات من قبيل استعادة 
الأرض، والاستقلال، واسترجاع القرار المغيب، وهي في الحقيقة 
شعارات لمجرد التعبئة السياسية، وإلا فإننا جميعا نعرف صعوبة 
تطبيقها على أرض الواقع، وعلينا أن نفطن إلى المتغيرات الحالية 
التي أدت إلى قلب المعادلات بأكملها، وأبرزها بطبيعة الحال, 
تدويل القضية, وسطوة القاعدة، وظهور أنصار الدين كحركة 
منافسة لا تخدم التوجهات الانفصالية، وغيرها من المتغيرات 
والإكراهات الواقعية التي فرضت على الحركة التعديل من خطابها 
ورؤيتها السياسية.

كذلك ينبغي علينا أن نضع إعلان التخلي عن الاستقلال في سياقه، 
فهذا الإعلان يأتي بالتزامن مع استعداد قوى غربية وإقليمية لشن 
عملية عسكرية في المنطقة، والحركة الوطنية استبقت هذه العملية 
بالإعلان عن إمكانية تخليها عن مطالبها الانفصالية ما من شأنه 
مصالحتها مع بعض الأطراف الإقليمية مثل الإيكواس والجزائر، 
وتأهيلها للمشاركة في أية عملية عسكرية، ولعب دور مشابه لدور 
الصحوات في العراق، ولا شك أن الحركة تتوقع من وراء هذه 
الخطوة مكاسب سياسية أعلاها الحكم الذاتي وأدناها استفرادها 
بتمثيل الأزواديين لدى القوى الغربية، ومجموعة غرب إفريقيا.

وبالنظر إلى المعطيات الحالية فإن الحركة محقة في توجهها هذا، 
وأنصارها لن يخسروا شيئا في حال راهنوا على هذا التوجه، فعلى 
كل الأحوال تظل مبادرة الحركة رمزية إلى حد كبير، وذلك لعدة 
اعتبارات:
•أولها أن تواجد الحركة على الأرض رمزي، كما أن نفوذها 
الشعبي في أزواد ليس بذاك مقارنة بغريمتها أنصار الدين ذات 
المواقف المعارضة للتدخل العسكري الأجنبي.

• ثانيها أن هذه القراءة من قبل الحركة وبعض أنصارها في 
الخارج للتدخل الأجنبي، تعتمد بشكل كلي على الخبرة المستمدة من 
التدخل الأمريكي، بينما الحديث الآن عن تدخل فرنسي بمظلة 
دولية، وكلنا نعلم أن فرنسا تعتبر المنطقة تابعة لها وضمن المجال 
الحيوي لنفوذها السياسي والعسكري، وبالتالي فهي قد لا ترى من 
الأساس أنها في حاجة إلى شريك محلي لإنجاز العملية العسكرية.

• ثالثها على فرض أن فرنسا والقوى الإفريقية والدولية المتحالفة 
معها في حاجة إلى شريك محلي، فإن هذا الشريك ليس بالضرورة 
أن يكون الحركة الوطنية، إذ يمكن أن يكون فلول الجيش المالي، 
وقد يكون –وهذا هو الأقرب - المجموعات الطارقية المنخرطة في 
الجيش المالي، والموالية لباماكو، مثل قوات الجنرال ألهجي أق آمو.

وإذن فتوجه الحركة صوب المشاركة في التدخل العسكري 
الأجنبي ومقدماته التنازلية، محفوف بالاحتمالات، وغير محسوم، 
لكن مع ذلك ينبغي دعمه، والالتفاف حوله، وعدم التشغيب عليه 
بالشعارات النضالية الفاترة لأنه بمثابة الفرصة الأخيرة للحركة 
لإثبات وجودها، وقدرتها على القيام بدور محوري في حفظ الأمن 
في المنطقة، وعلينا قبل كل ذلك أن نخفف من الضغط على الحركة، 
وأن نعينها على أنفسنا، وعلى التخلص من حبنا القاسي وخياراته 
غير الواقعية.

مع جزيل الشكر
الهيئة الإعلامية
بقلم الصحفي / ‏زبير عبد الباقي الأنصاري‏

ليست هناك تعليقات: