صحراء أزواد صراع من أجل البقاء جولة بين أطلال(إيبنغ إين تهاتين)

دخلنا قرية(روض النعاج)من ناحيتها الشرقية فى زيارتنا الأخيرة لأزواد هذا العام 2009م 1430هـ فرأيت عجبًا واندهشت لما رأيت فقد هاجرتُ من المنطقة عام 1999م وهي فى قمَّة ازدهارها وتطوُّرها ولكنني عدت إليها وهي خاوية على عروشها لم يبق منها إلا الآثار..


هذا الأنبوب الأصفر الذي ترونه ليس أنبوبًا عاديا كما يبدو عليه فهو فى الحقيقة نافورةٌ لو فتحت لسالت أودية من أصفى وأنقى وأعذب ماء..
وقد استخدمت لحفر هذه البحيرة المطمورة أضخم آلات الحفر واستغرقت هذه العملية مدة طويلة من الزمن حتى ظن سكان المنطقة أن منطقة العمل عبارة عن محطةٍ لاستخراج النفط..
فلما انتهت مرحلة الحفر أراد مهندس الشركة أن يلقنهم درسًا لن ينسوه أبدا فقد أحكم الرجل إيصال الأنابيب ببعضها البعض حتى أبعدها عن المكان مسافة ثلاثين مترا تقريبا ورفعها قدر مترين وترك الماء يتدفق بشكلٍ عجيب وكأن الأنابيب متصلة بالبحر وتركها هكذا تجري فى الوادي مساء يوم كامل حتى امتلأ الوادي بماء زلال فى غاية الصفاء والنقاء..
ثم أحكم إغلاقها بعد ذلك ورحل إلى غير رجعة..
وبعد فترة جاء أحدهم وركّب عليها محركا يدويًّا لتسهيل سحب الماء من البئر إلا أن عمر المحرك كان أقصر مما ينبغي..
وأغلقت البئر مرة أخرى ولا أعرف أفتحت بعد ذلك ثم أغلقت أم لا زالت مغلقة من ذلك الوقت إلى اليوم..

وما يتمناه السكان هناك هو أن يأتي ذلك اليوم الذي تترك فيه هذه النافورة لتسقي ذلك الوادي الزراعي الخصب(روض النعاج) فيعود إلى سابق عهده روضًا باسما ومرتعا خصبًا للخيول أو مزارع وبساتين للزارعين وما ذلك على الله بعزيز..

  هذه هي البئر الشمالية التي حفرت فى ناحية القرية الشمالية عام 1987م ونصب عليها( أوليين)حسب أشهر اصطلاحٍ هناك وهو أشبه ما يكون ببرج مراقبة أو أبراج الاتصالات..
وثبتت عليه مروحةٌ ضخمة يحركها الهواء فتسحب الماء وتضخه فيتدفق تلقائيًّا..
ومشكلة هذه المروحة أنها متعلقة بالهواء فإن توقف الهواء فما من سبيل أمام الوادين إلا اللجوء إلى وسائلهم المعتادة..

وهذه هي البئر الأولى التى حُفرت فى تلك المنطقة وقد برع سكان المنطقة فى اختيار مكانها وأنفقوا أثمن أوقاتهم وكرائم أموالهم وأمضوا الليالي والأيام وهم يحفرونها وقد وفقهم الله سبحانه وتعالى فجعلها نهرا متدفقا لا ينضب والحمد لله..
وهي أيضًا ثُبّتت عليها مروحةٌ أخرى لنفس الغرض..
ولكن تلك الأبراج وتلك المراوح الضخمة أصبحت كلها فى خبر كان..
ولم يبق منها إلا الذكرايات..

 وقد قال لي هؤلاء الفتيان إن هذه القطعة هي كل ما تبقى من تلك الأبراج وتلك المراوح والمضخات الضخمة..

غرفة مربعة الشكل محكمة الإغلاق تبدو ببابها الأحمر متواضعة وقليلة الأهمية إلا أنها ليست كذلك أبدا..
فهي فى الحقيقة تحدٍّ واضح للقرّ والحر وصرخة مدوية فى وجه كل من يدّعي من أمثالي أن المنطقة خاوية على عروشها..
وهي أيضا نعم الدار ونعم المسكن لمن يعتقد أنها أفضل الديار..
أنت فخورٌ بدارك فى موطنك ومن حقك ذلك..
ولكن هذا الرجل الذي شيد هذه الدار فخورٌ أيضا بداره ودياره وموطنه وبلاده وبيئته وصحرائه وريفه وقريته أكثر من أيّ فخور عرفته!!..

هذا هو صاحب الدار(حادُّ بن عبد الله الأنصاري)وهذه هي مهنته الشريفة التي إن تعمّقتَ قليلا فى تاريخ الأمم والشعوب فلن تجد صعوبة فى ربطها أولا بنبيِّ الله إدريس عليه السلام..
وإن رجعت إلى واقع الناس فستجد أنها جزء من حياتهم ولا غنى لهم أبدا عنها..

سألت بطل قصتنا الشهم النبيل عن أحواله وأحوال بلاده وموطنه الذي أحبه من أعماق قلبه فأشار إلى الموقد ومخزن الطعام وإلى الأفق البعيد ثم ابتسم وقال نحن فى أحسن حالٍ يا أخي..
ووالله إن كان هناك مستقبلٌ زاهر لهذه البلاد الطيبة فسيكون لهذه المنطقة منه أوفر الحظ والنصيب ولكنكم قوم تستعجلون!!..

ثم أشار أيضا إلى تلك البئر وإلى هذه المنازل الذي تجاورها فقال الرجل بثقة وثبات وهو يبتسم أخي:هذا هو كل ما فى الدنيا من متع ولذائذ (ماء زلال وغذاء وكساء ومساكن طيبة وأمنٌ وأمان وصحة وعافية) والحمد لله على ما من به علينا من ذلك..




وفى اليوم التالي نزلت إلى السوق(سوق قرية زرهو) فزرت الرجل وإخوته فى مقر عملهم فى السوق ورأيتُ متاجرهم ونشاطاتهم التجارية..
فما ازددتُّ والله إلا إعجابا بهم..
فأسأل الله سبحانه أن يوفقه وأمثاله من أبطال تلك البلاد إلى الخير ويدله عليه إنه قوي عزيز..
************************




وإلى لقاء آخر فى جولة أخرى
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

ليست هناك تعليقات: