نبذة مختصرة عن أزواد بقلم / د. حماه الله السالم

أزوادْ إقليم واسع يقع ضمن شمال دولة مالي ويعني باللهجة الطارقية (الحوض)، وهو اسم على مسمّى إذ يمتد ضمن سهول وصحراوات منخفضة شرق موريتانيا وجنوب الجزائر وغرب النيجر مشكلا منطقة ملتقى بالغة الأهمية والخطورة، فضلا عن قيمة ما تحت أرضه من معادن ونفط وفلزات نادرة تتهافت عليها الشركات الأجنبية تنقيبا وتقييما وتتطلع الدول الكبرى إلى وضع اليد عليها بوصفها منطقة فراغ سياسي وبشري حساسة.
تعْمُر أزواد مجموعات عرقية مختلفة أهمها شعب الطوارق الأمازيغي ثم القبائل العربية (البيضانية) فعناصر من القوميات المختلطة بين الزنوج والأمازيغ وقليل من الزنوج.
لكن أزواد ظل منذ ما قبل الإسلام أرضا خالصة للطوارق الذين تشكلوا من قبائل صنهاجة وزناتة وهگار حول نواة من قبيلة ترغة وتكتب أيضا ترگة ولعلها تحريف تارگة: الوادي أو الساقية.
 ثم قدم عرب الأمصار عبر الفتوح أو الهجرات الهلالية واندمج بعضهم ضمن الطوارق حتى أن عشيرة عرب الأنصار الأندلسيين ترأست عشائر من الطوارق فعرفت باسمها: كلنصار: أهل الأنصار وهي اتحادية قبلية تضم لفيفا من العشائر الطارقية المحاربة والتابعة التفت حول أسرة آل قطب بن النافع (إنفا) الأنصاري القادم من الأندلس عبر المغرب أو من ذرية الصحابي أبي دجانة من قرية (الأنصارين) قرب القيروان: خلاف بين المؤرخين. ثم انتشرت هذه الأسرة العربية الأنصارية في ليبيا ومالي وموريتانيا والنيجر والسعودية.
ظلت قبائل الطوارق تقوم بدور يشاكل قبائل المخزن في المغرب في ظل الدول الإسلامية التي حكمت عقفة نهر النيجر مثل دولة مالي (ق 14-15م) ودولة سونغاي (16م) لكنها كانت مستقلة وترفض الخضوع بل وسيطرت على تمبكتو مرات وحمتها بولاة معينين من الآمينوكال سلطان الطوارق.
وفدت على المنطقة هجرات عربية أشهرها قدوم قبائل الرحامنة وبني عمومتهم وسيسمون البرابيش وهم مجموعات عربية محاربة شديدة السطوة، ووفدت كذلك أسر عربية فهرية مثل الكُنْتييّن وغيرهم.
وازدهرت الثقافة العربية الإسلامية في إقليم أزواد ابتداء من القرنين 9-10هـ/15-16م انطلاقا من مدينة تمبكتو الشهيرة ثم بعد انهيار هذه الأخيرة انتقلت الحياة العلمية والدينية إلى بوادي أزواد فظهرت مدارس بارزة في مضارب الطوارق ثم في أحياء قبيلة كُنْتا العربية التي عرفت في القرنين 12-13هـ قيام زاوية الشيخ سيدي المختار الْكُنْتي ت1226هـ وأبنائه وأحفاده وتعتبر من أهم مدارس العلوم العربية والإسلامية في الصحراء الكبرى بعد المرابطين وتركت مصنفات كثيرة وبثت معارف واسعة ونشرت الطريقة القادرية والشاذلية في عموم الصحراء وتخوم الغابة وكان لها دور حاسم في تحريك الثورات الإسلامية في عقفة نهر النيجر (حركة أحمدو لبو الماسني) وفي نيجيريا (حركة الشيخ عثمان الفودي) وغيرها.
عندما دخلت بلاد مالي تحت الهيمنة الاستعمارية الفرنسية منذ سنة 1898 قام أهل أزواد من عرب وطوارق بمقاومة الغزو الأجنبي بالسلاح والمال والثقافة، لكن الاحتلال تمكن من بسط سيطرته على مالي وظل يحكمها إلى نهاية الخمسينيات.
واشتهرت معارك الجهاد والمقاومة التي قادها المجاهد محمد بن علي الأنصاري رمز الشجاعة والنبل والمقاوم البطل عابدين الكُنْتي الذي فتك بالفرنسيين مرارا.
مارس المستعمر الفرنسي سياسات التمييز والفصل والعنصرية والتفريق والتهميش بين السكان، ما أنتج ضعفا في دور المثقفين بالعربية في الدولة المستقلة، كما أوْرث الاستعمار الحكامَ الجددَ إدارة مفرنسة وتهميشا لإقليم أزواد وأهله، ما أنتج رد فعل مرات عديدة، لم تفلح في نيل الاستقلال لكنها ظلت تذكي نار الرفض للهيمنة الجديدة، ولاسيما في عهد موديبو كايتا الحاكم المالي الشيوعي الدموي الذي قتل وشرد وسحل الطوارق والعرب ودمر بنية إقليم أزواد علميا وبشريا وتجاريا لكنه ذهب في الذاهبين بعد أن نال قِطّه من العذاب على أيدي من انقلبوا عليه ومرت البلاد بفترة من الهدوء والتوتر حتى اشتعلت في العشرية الماضية حرب التحرير والثورة التي قادها الطوارق والعرب ضد نظام مالي العنصري المعزز بحركة ( گوندا كوي) ومعناها: أبناء الأرض وهي حركة شديدة العنصرية والحقد، لكن النظام واجه مقاومة ضارية وشجاعة من جبهات تحرير أزواد الطارقية والعربية ما أجبره على إعادة حساباته ليطلب السلم عبر الوسطاء فكانت اتفاقية تمنراست في الجزائر لكنه بعد فترة قليلة التف عليها ولم ينفذ كل بنودها فعاد التوتر من جديد، لتظل أزواد بلادا رافضة للخضوع والظلم مستعدة للثورة على الاستبداد والتهميش.
وفي عهد الرئيس المالي المطاح به أخيرا أصبح إقليم أزواد أرضا شديدة الخطورة والأهمية إقليميا ودوليا لاسيما بعد أن تغلغلت فيه مجموعات مختلفة المصالح من الجماعات الإسلامية المسلحة القادمة من الجزائر إلى تجار التهريب إلى حركات العصيان والثورة ضد النظام المالي، وباتت التطورات السياسية والأمنية تشعر حكومات المنطقة بالخوف من اختراق القاعدة للحدود وانتشار المخدارات والفتنة بين القبائل، ما يجعل الإقليم بلادا لا سلطان عليها.
لقد باتت منطقة أزواد تشبه أطراف باكستان المشتعلة أو أفغانستان مصغرة، تتحرك فيها حركة أنصار الدين بحرية وقوة مشكلة اتحادا مخيفا بين القاعدة وحاضنتها من حركات الطوارق، وتنشط حركة أزواد الوطنية التي تضم كتائب عاد أغلبها من حرب ليبيا بما أمكن حمله من الأسلحة، وأصبحت دولة مالي بلادا بلا رأس بعد الانقلاب المفاجئ على رئيسها توماني توره، في وقت أعلن الطوارق استقلالهم عن مالي ورفعوا علم دولة أزواد الحرة التي لم يعترف بها أحد لحد الآن لكن الإعلان لن يمر من دون تأثير.
تتداعى الأمم الكبرى إلى الميدان لحسم الأمر قبل أن يخرج عن السيطرة، ولذلك تريد الولايات المتحدة وجودا ما في المنطقة وتتحرك فرنسا بحضور لافت في النيجر وموريتانيا، وهو ما ترفضه الجزائر التي تراقب الوضع عن كثب أما موريتانيا فقد عادت كتائب جيشها قبل شهور من مطاردة مثيرة داخل الأراضي المالية لكتائب الجماعات المسلحة التي تلتف حول قيادة القاعدة، سالت فيها دماء الطرفين وإن كانت الخسارة ضخمة في صفوف المسلحين، ويريد النظام الموريتاني التعجيل بدخول قوات افريقية متحدة لطرد الجماعات المسلحة المنضوية تحت لواء أنصار الدين من تنبكتو والمدن الأخرى بل وتصفيتها إن أمكن وإعادة الإقليم إلى السيادة المالية.
الوضع في مالي معقد وصعب، وأزواد صار أرضا مخيفة ومرعبة تعمرها القوى المسلحة مختلفة الأجندات والمطالب والمرجعيات الفكرية والسياسية وتتداخل فيه المطامح الدولية والإقليمية، ويبقى السبيل الأوحد لحلحلة مشكل أزواد هو وضع خاص للإقليم يعطيه حقوقه وكرامته ودمج من نوع ما للجماعات المسلحة في الحوار مع مالي ومع الدول المحيطة بها، وإلا فإن ما يجري في أزواد سيكون له تأثير بالغ على صُعُد متعددة في جميع البلدان القريبة والبعيدة. 

بقلم / د. حماه الله السالم -  كاتب موريتاني

ليست هناك تعليقات: